حين ينزل الثلج لمرة في العام.. ويختبيء بين أحضان التراب وابتسامات الاطفال.. تسكن تلك القرية الوادعة.. تغمض جفونها وتشرق كل صباح.. يزينها كهف صغير في اعلى الجبل.. ولكن مهلا.. القرية اليوم ليست على عادتها.. النهر الذي يشقها تتهلل قطراته.. ويهمس للشجرة الساكنة بقربه بما يجول في القرية اليوم..
- عشر سنوات.. عشر سنوات.. كم سمعت هذه الكلمة اليوم ايها القلم.. فما الامر؟
- لا أدري ايتها الكلمات.. فلننطلق سويا الى تلك الشجرة نسمع حفيفها.. قد نفهم جوابا لسؤالنا.. لنقترب ولكن بهدوء.. فالشجرة تهم بالحديث..
- اليوم ستكتمل فرحتنا ايها النهر.. بدأ الشباب يعدون أنفسهم للذهاب الى كهف حكيم القرية..
- أعتقد أن قريتنا الوادعة ستفرح بأميرها بعد عشر سنوات.. هاأنا اسمع خطى الشباب يقتربون من الكهف فلنصغ لخطبة الحكيم..
- هل فهمت شيئا ايها لبقبم؟
- ليس بعد.. فلننضم الى الشجرة والنهر.. ونسمع ما يقوله الحكيم للشباب..
بدأ الهدوء يتسرب من شقوق سطح الكهف.. ليحل ضيفا حاكما بين الشباب الذين يجلسون- وقد شغفهم وقار الجلسة- وبين الحكيم.. حكسم القرية الذي تلفه هالة من الهيبة والاجلال.. وعصا عتيقة لا تزيده قوة بقدر ما تزيده ثقة.. كان الهدوء مازال يحل ضيفا حتى وقف الحكيم شامخا يحرك عصاه اينما ذهب.. ففر هاربا ليأخذ القلم والكلمات مكانهما في الحضور ويسمعون اول الرواية..
مشى الحكيم بخطوات ثقيلة نحو الشباب.. الذين شخصوا بأبصارهم الى الارض وقد خفقت قلوبهم مما سيقوله.. أطبق الحكيم شفتيه وحلقت عيناه في كهفه البسيط ثم قال بصوت خشن:
- الآن أنتم ابنائي.. ابناء هذه القرية الوادعة التي تحلم بأميرها بعد عشر سنوات.. جميعكم.. أجل جميعكم نتاج قريتنا الوادعة التي نحبها.. زرعكم أباؤكم ليحلموا بهذا اليوم الذي يتأهل كل واحد فيكم للأمارة.. أما قوانين الامارة في قريتنا الوادعة..
أكمل الحكيم دورته الثالثة حول الكهف بعصاه العتيقة.. ثم وقف امام شاب شاحب الوجهه.. طويل القامة..طرق بالعصا ثلاث طرقات أمامه وقال:
- نعلم أن والدك يامصطفى كان اميرا للقرية طوال عشر سنوات الماضية.. فحبذا لو تحدث الشباب قليلا عما تعرف عن الامارة..
وقف مصطفى وقد اعياه الخجل والهدوء.. بينما تحيط اعين الشباب به.. ثم شق شفتيه عن ابتسامة خجولة طرقت قلوب الشباب.. قبل ان يتحدث فيقول:
- أعلم كما يعلم الجميع أن كل عشر سنوات يصبح للقرية امير يحكمها.. ويتأهل لهذا المنصب خيرة شباب القرية.. يحتفظ كل شاب بسؤال من خلاله تختار ياسيدي الامير.. وللأمير حقوق وواجبات على قريتنا..
رفع الحكيم يده امام مصطفى تنبها بالتوقف عن الكلام ثم قال:
- في جلساتنا القادمة سنتعرف على اهمية وجود الامير.. تستطيعون المغادرة..
- انظر جيدا ايها القلم.. وأخبرني ماذا يحدث..
- هاهم الشباب يقفون أمام الكهف.. وقد هموا بالخروج.. ولكن مهلا يا صديقتي.. الحكيم اوقفهم وها هو يشير الى الى حديقة الزهور.. التي يزرعها لكل امير انظري كم هي جميلة.. انه يحثهم على الاجتهاد.. كي يزرع الامير الجديد زهرة في هذه الحديقة..
- من ذاك الشاب الذي يمشي الى جانب مصطفى ياصديقي؟
- حقيقة لا أدري ايتها الكلمات.. ربما هو.. اظنه حسان..
- أريد ان ادون اسمه.. تذكر بسرعة
- هو بدر.. صاحب القصص الخيالية.. بالتأكيد يتحدث عن احدى قصصه الان..
- بالتاكيد.. فلنقترب ولنكتبها..
كانت القرية تزدان بفرسانها الشباب وهو يمشون في احيائها.. يخيم عليهم الهدوء تارت.. والحديث تارة أخرى.. وبينما كان احدهم يهيىء نفسه لتثاؤب ثقيل وقعت عليه يد بدر الجافة.. فقطع حديثه الصمت بكلمته المعتادة" يروى ان" حيث كانت كلمته تلك صديقته اينما حل وأرتحل لكثرة ما يجمع من قصص اسطورية.. وقبل ان يتحدث نظر الى الشباب بسرعة وقال:
- هل تعلمون بماذا ذكرتني هذه الزهور في حديقة الحكيم؟
نظر حسان بنفاذ صبر.. بينما أكمل الباقون طريقهم فقد اعتادوا على اسلوب بدر في الحديث.. وكي لايفقد الحديث نكهته.. قال حسان مجيبا على بدر:
- لا بد انها تذكرك بقصة ما.. فقصصك لاتنتهي على الدوام يا صديقي.. لكل حادثة حديث.. عفوا أقصد لكا حديث حادثة..
أكمل بدر حديثه دون الاهتمام بحديث حسان فقال:
- يروى انه كان في قرية ما أرض خضراء يانعة بأصناف الزهور البيضاء الجميلة.. والى جانب تلك الارض.. كانت ارض اخرى مقفرة الا من شجر الصبار ذو الشوك الغزير فضاق الامر عليها.. حيث كان يطلق الجميع عليها أرض الكراهية.. وأرض الأزهار أرض المحبة.. وفي يوم ما ياأصدقائي قررت ارض الكراهية ان تغزو أرض المحبة فتقتل كل الأزهار الجميلة.. ثم..
- ثم ماذا يابدر؟ تسرع دائما في رواية القصة وتبطيء في سرد نهايتها..
قال رزق كلماته في شجب.. لكنه لم يمنع بدرا من استكمال حديثه..
- فعم الحقد.. وبدا التوتر يسود.. كل الحيوانات في القرية قدمت حلولا دون فائدة حتى جاءت الغيوم البيضاء الساحرة للعين والقلب.. فشمخت فوق الارضين وقالت مبتسمة:
- الحل عندي يا اصدقاء.. ولن اقوله حتى تعطوني عهدا بالموافقة عليه..
ثار ضجيج واضح في كلا الأرضين.. كل منهم يخمن حل الغيوم الجميلة.. وبعد فترة تفاوض وافقت الأرضان على الحل.. فهل تدرون ما الحل؟
وقف حسن متحديا لبدر وهدده قائلا:
- اما أن تسرع.. وأما ان نذهب ونتركك وحدك..
- بلى سأكمل يا صديقي.. مهلا.. كان الحل ان يتزوج زعيم الصبار أجمل الوردات في ارض المحبة.. وهكذا تسوده الألفة وتذهب الكراهية..
- ماذا؟
- صرخ الشباب بصوت واحد.. بينما آثر جهاد أكمال حديثه فقال:
- قل أنك مجنون يا بدر.. وارح نفسك وأرحنا يا صديقي.. فمنذ متى يلتئم حقد النفس على ود المحبة؟ لا يكون هذا ابدا..
ضحك بدر بصمت وأكمل قائلا:
- لم أنته من القصة.. تقرر موعد العرس لينتهي الشجار ولكن.. اقتربت أجمل الوردات من زعيم الصبار ليحتفل الجميع بالعرس الذي كللته الغيوم بنقاء بياضها.. حتى حصل ما لم يكن في الحسبان.. فقد غرز زعيم الصبار اشواكه بالوردة المسكينة ليمتزج لون ثوبها الابيض بلون الدم الاحمر وتقع على أرضها لتقع من بعدها كل الازهار.. لنعلم يا اصدقاء أن الكراهية في زمن الحرب والسلام لا تنجب الا الكراهية.. والمحبة في فرحها وحزنها وقربها وبعدها تبقى محبة تعطي دون حد.. ومن يومها صار لون الازهار الأحمر رمزا للمحبة.. وصارت الغيوم تكتسي باللون الاحمر مرة كل عام حزنا على اقترافها ذنبا لا يغتفر..
تسارعت فكرة واحدة في قلوب الشباب .. سارعتها قصة بدر.. فوقفوا جميعا تحدوهم الدهشة.. تذكروا في آن واحد قريتهم.. وما يحدها من خطر القرية المجاورة التي تسعى لنهشها بأي وسيلة.. ولذلك كانت العيون.. عيون اهل القرية الطيبة تنظر الى اميرها,.. لينقذها من خوفها.. وبعيون دافئة نظر الشباب الى الجبال الشامخة.. والغيوم التي تزينها لتخفق مشاعرهم بالرهبة مما ستاتي به الايام..
- قصة بدر اشعلت مشاعر الشباب يا صديقتي.. اليس كذلك؟
- أجل ايها القلم.. ولكن.. كما غرز الصبار شوكه في الوردة.. انت تغرز احرفك في..
- انا يا صديقتي أغرز أحرفي لتضيئي الورقة البيضاء فتزيدها بهجة ومحبة.. لكن الصبار جاء ليزرع الكراهية في الوردة..
- اجل نحن اصدقاء منذ الأزل.. ما رايك أن نكمل مشوارنا مع الشباب لنرى مسارهم.. فلنمض وراء بدر وحسن..
- لا .. فهناك من هو أولى.. انه جهاد..
- جهاد! ما وراءه حتى تهتم بالسعي خلفه؟
- انها شقيقته ميساء الجميلة.. لا بد أن لها رأيا خاصا في الامير..
- اذن هيا بنا..
وفي أزقة ضيقة.. بدأ الشباب يتفرقون الى بيوتهم المتقاربة.. حتى انتهى جهاد الى بيته المطل على القرية.. حيث كانت شقيقته تقف على الشرفة لتراقب شخصا ما وحين ارتسمت على شفتيها ابتسامة هادئة نظرت الى شقيقتها ثم الى احدهم وقد اختفى وراء البيوت العتيقة ثم قالت:
- لعينيه ابتسامة تشرق كل صباح.. فتعانق الشمس لتصنع جديلة على وجه الفجر..
- فيمن هذا الرثاء؟
انطلقت ضحكة خبيثة من شقيقتها وهي ترد على حديثها.. لكن ميساء انتفضت غضبا وتركت الشرفة الى مقعدها الساكن وقالت:
- كفى استهزاءا.. انت تعلمي ان حسن أكثرهم وسامة وهو الاولى بالأمارة..
- كلا.. أنت مخطئة.. بل أولاهم مصطفى فهو من عائلة عريقة.. والده وشقيقه كانا اميرين من قبله..
ازدادت موجة الصوت ارتفاعا بين ميساء وسارة.. حتى قطعهما صوت جهاد وهو يدخل الى الغرفة.. يرمقهما بنظرة اصمتتهما لخلدا الى النوم بسرعة..
كان الليل يبتسم بهدوء للقرية الوادعة.. بينما كان بدر وحسن يراجعان ما يخص الامارة.. حتى لا يفاجئا بسؤال الحكيم لهما.. فبدأت حركات الطفولة تكسي وجه بدر وهو يعد على اصابعه بمرح قائلا:
- السفر.. المرض.. الحرب.. السجن والموت.. كل هذا لايمنع الامير الذي يختاره الحكيم من تولي الامارة
وقف حسن مدهوشا من حديث بدر ورد عليا بسرعة:
- ماذا؟ امجنون انت؟ من قال هذا؟ السجن والموت يحولان دون تولي الأمارة يابدر..
- لا ياحسن.. اذا أعترى الامير السجن او الموت.. فالحكيم يامر باسمه تكريما له واجلالا لأهل القرية ياصديقي..
تردد حسن لوقت قبل أن يجيب بدرا الواثق من حديثه ثم قال:
- اسمع يابدر.. مصطفى كان أخوه أميرا قبل سنين طويلة.. ويقال أنه كان مسجونا.. فلنساله غدا لنحل هذا الاشكال..
- أنا موافق.. واذا كنت مصيبا فأنت ملزم بسماع احدى قصصي موافق؟
نظر حسن بأحدى عينين الى بدر وقد أغلق الاخرى نكاية به.. ثم هز راسه موافقا لنتهي ذاك اليوم بابتسامة ثنائية..
استطاع سرب الحمام طي الفضاء حوله.. وايقاظ أهل القرية.. فيما كان كثير منهم قد استيقظ لزرع أرضه ويسقيها حلمه.. كانت لا تزال حبيبات العرق تتساقط على جبين رزق قبل أن يمسحها ليرى ايدي مصطفى وحسان تلوح له من بعيد معلنة بدء يوم جديد.. ابتسم رزق ورد التحية بكلتا يديه.. اليمنى لمصطفى وحسان واليسرى لبدر وحسن.. اقترب حسان من رزق ليساعده قبل أن يبدأ درس الحكيم.. فيما اتجه بدر وحسن الى مصطفى ليسمعا رأيه فيما اختلفا عليه بالامس..
- يوم جميل اليس كذلك؟
افتتح بدر حديث الصباح بهذه الكلمات فيما هز مصطفى راسه موافقا.. رسم السكون ابتسامة خفيفة على ثغر بدر وبدا عليه بعض الحرج قبل أن يكمل حديثه قائلا:
- مصطفى ياصديقي بالامس اختلفت مع حسن على أمر ما.. ونريد ان نأخذ رأيك فيه..
- بالطبع أنا جاهز..
تنحنح بدر وهو يشعر أن أحراجا ما سيقع على كاهل مصطفى من سؤال.. ولكن لابد منه فسمع بعض دقات قلبه تتسارع لتسبق بعضها الاخر.. فيما شق هذا الاضطراب صوت حسن قائلا:
-أخبرني بدر أن السجن والموت لايحولان دون تولي الامير امارته.. ولكني لم اقتنع بكلامه فما رايك؟
- السجن.. السجن..
وقعت الكلمة جافة وقاسية على ملامح مصطفى.. فكستها تعرجات ضيقة.. وأحاسيس عتيقة أشبه ما تكون بوردة اشتعلت في نار هادئة.. اصبح نور الصباح ليلا قاتما تسوده العاصفة.. تجمدت أطراف الجميع.. فأصبحت أنسام الربيع باردة كصقيع الشتاء..
بدأت الدموع تغرورق في عيني مصطفى.. فيما كانت الذكريات تأخذه بعيدا الى حيث شاء.. ابتسم حزنا وقال:
- السجن.. أجل.. أخي.. أخي كان في السجن حين كان اميرا طوال عشر سنوات حكمها بأسمه حكيم القرية.. ثم مات هناك.. مات بهدوء في القرية المجاورة التي ينتهي فيها مصير أحبابنا دوما يا اصدقاء..
كان لا يزال الصمت سيد المكان.. فيما كان يلف الذهول قلبي حسن وبدر.. بينما شعر مصطفى بان بعض الحزن ذهب عن قلبه..
- السجن قد يمنح قلوبنا الحرية في بعض الاحيان يامصطفى..
بدأت الكلمات تخرج من جوف بدر دون أن يقرنها بانتباهه.. الا أنها وقعت على سمع مصطفى بقسوة وغضب فثارت كلماته وجوارحه وبدا ينفعل..
- السجن.. أية حرية يمنحها لنا؟ لا يابدر.. السجن وجه أخر للموت.. دفؤه برد.. برده موت.. وموته ضيف ثقيل يلف المسجون ويتكرم عليه ليزوره ببطء.. وحين يموت ويأتي الشتاء.. نحزن اذ نشعر أن احبابانا يعيشون تحت ترابهم الملون ببرد الشتاء القارص يااصدقائي..صمتت الكلمات.. وبدات الشمس تلفح وجوه الشباب.. ليتصبب العرق حزنا على كل شيء لامسته مشاعرهم.. لكن مصطفى مد يده ليغير معالم ذاك اليوم وأخذ بيد بدر وحسن وقال بصوت منخفض:
-عاهداني اذا مات أحد منا أن يلفه الاخران ببساط دافيء يقيه من برد الشتاء أيها الرفاق..
أرتعشت يد حسن.. ولم تسعفه الا الصرخات التي اطلقها بحزن عميق وهو يقول:
- كفى.. كفى.. أرجوكما.. كفا عن حديث السجن والموت..
انطلق حسن مسرعا وغاضبا الى كهف الحكيم.. ثم جلس بارهاق شديد..
بدأ الشباب يتوافدون الى الكهف.. فيما أخذ الحكيم مكانه كي يعلن بداية جلسة جديدة..
عاد الهدوء يطل براسه الى الكهف.. بينما اثار كلمات مصطفى وبدر ما زالت في قلب حسن الذي فاجأه صوت الحكيم وهو يقول:
- فليتخيل كل واحد منكم أنه اصبح أميرا للقرية.. ماهي اول كلمة سيمنحها لشعبه؟ لنبدأمنك ياجهاد..
بدأت الكلمات والآمال تتأرجح في اذهان الشباب.. فشعروا لوهلة انهم أمام سؤال سهل صعب..
يتطلب منهم حضور الذهن والقلب,, وغسابهما في آن واحد..شق جهاد بأنامله تعرجات منبسطة في رأسه ثم قال:
- المحبة..
- وأنت يارزق..
- الشجاعة..
- ماذا عنك يامصطفى..
- الحرية ياسيدي..
- وبدر..
- التضحية..
- حسان..
- العطاء..
- وأخيرا أنت ياحسن..
كان كل شيء هادئا.. فيما كان حسن يجلس بانفاس متقطعة وابتسامة شاحبه.. حاول ان يقول شيئا.. اي شيء.. لكنه لم يفلح الا.. في الصمت.. نظر الى الحكيم ثم الى اصدقائه..والارض المبعثرة.. وقال:
- لا أدري..
- انظر أيها القلم الى وجه الحكيم.. لقد ضيق عينيه وعلق حدقاتهما في حسن.. لابد أنه غاضب..
- ربما ياصديقتي.. وحسن كذلك ضم جسمه فأصبح كطائر يضم ابنائه..ابتسم الحكيم بهدوء.. وقال وهو ينظر الى وجه حسن الساكن في الارض:
- يبدو أن ازهار الحديقة لم ترو جيدا اليوم.. انا ذاهب لاسقيها فيما أنتم تستريحون..
مرت لحظات صمت طويلة تبعت أقدام الحكيم الثقيلة.. فيما كان الجميع يهم بالحديث والصمت معا.. حتى أقترب مصطفى من حسن.. ووضع ده على كتفه,, تنهد حسن بحزن ثم رفع عينيه عن الارض وقال:
- أكره عربة السجن التي تجر الابرياء الى مصير مجهول حزين يا اصدقائي..
رفع مصطفى كلتا يديه وغرزهما في شعر حين الكثيف ليصبحا وجها لوجه في حديثهما ثم قال:
- ذاك العصفور الساكن في حضن الطبيعة ياحسن.. ما هو الا حكاية صغيرة لحياتنا التي تختزلها الايام وتهدينا اياها.. يمتد في جسمه لون اسود داكن يمتليء به ويصبح عنوانا له.. حتى تاتي تعرجات اخرى زاهية.. تضيق حينا وتتسع أخرى.. هناك ياصديقي يسكن حلمنا.. فلولا ألوان العصفور المتناقضة ما علمنا جمال لونه الزاهي.. والسجن قد يكون حرية في بعض الاحيان كما قال بدر.. أليس كذلك يابدر؟
تنقل بدر شريعا بين الشباب.. اقترب من حسن ليضفي جوا من المرح وهو يقول:
-والان يا أصدقائي وعدني حسن بأن يسمع قصتي اليوم .. فهل انتم مستمعون؟